Skip to Content

إطلالة على المشروع الفكري للدكتورة نوال السعداوي

وردة عوينات
April 21, 2024 by
وردة عوينات
| 1 Comment

 بقلم: وردة عوينات.

"نوال تحرضنا على إعادة النظر في كل الثوابت، و تحرك فينا بحيرات التساؤل الراكدة، فكرها كائن حي صعب المراس لا يمنح أسراره الثرية إلا بعناق دائم و متجدد. إنها تخوض معركة العقل ضد التيارات اللاعقلية، وكما تصفها ابنتها منى هي كاتبة تعيش ما تكتبه و تكتب ما تعيشه."

ولدت الكاتبة و الروائية المصرية نوال السعداوي بتاريخ 27 أكتوبر 1931 ، و تخرجت من كلية الطب بجامعة القاهرة سنة 1954، تخصص أمراض صدرية، عينت طبيبة امتياز في مستشفى القصر العيني في قسم الأمراض النفسية بالإضافة إلى قسم الجراحة، وفصلت من عملها بسبب أفكارها و كتاباتها المتمردة على الذكورية اشتغلت كذلك كطبيبة نفسية في المستشفى الجامعي عين شمس و بعدها فتحت عيادة خاصة .

مدافعة شرسة عن حقوق الإنسان بشكل عام وحقوق المرأة بشكل خاص، اشتهرت بمحاربتها لظاهرة عرفتها مصر و 27 دولة إفريقية أخرى، و هي ظاهرة ختان البنات، كونها من بين اللاتي ذقن مرارة هذه العملية التي تترك أثرها السلبي على جسد المرأة ونفسيتها.

أسست جمعية تضامن المرأة العربية عام 1982 ، كما ساهمت في تأسيس المؤسسة العربية لحقوق الإنسان و قادت حملة عالمية إلى جانب مجموعة من المفكرين و الأدباء بهدف تحقيق العلمانية و فصل الدين عن الدولة ، تحت شعار"التضامن العالمي من أجل مجتمع مدني" . حازت على عدة جوائز فخرية من بينها جائزة الشمال و الجنوب من مجلس أوروبا التي حصلت عليها عام 2004 ، وفي سنة 2005 فازت بجائزة إينانا الدولية من بلجيكا ، و حازت كذلك على جائزة شون ماكبرايد للسلام من المكتب الدولي في سويسرا.

مع كل هذا التقدير لما أنجزته في مجال الأدب وما قدمته من كتابات ونضالات في مجال الدفاع عن تحرر المرأة و تحرر المجتمع ككل ، مع كل هذه الجوائز التي قدمت لها من طرف المجتمع الغربي، لم يقدم لها النظام المصري سوى التعتيم الإعلامي بكل أشكاله و عدم الاستدعاء لحضور المحافل الوطنية الأدبية كمعرض الكتاب الدولي على سبيل المثال،و كذلك تمت مصادرة بعض كتبها مثل رواية "سقوط الإمام" التي انتقدت فيها سياسة أنور السادات .

تمت مهاجمتها من طرف الجماعات الإسلامية المتطرفة ، ومحاولة سلبها الجنسية المصرية ووضعها في قائمة المهدورة دماؤهم كالعديد من الكتاب والأدباء المصريين الخارجين عن المألوف، تعرضت للاعتقال إلى جانب العديد من الصحفيين و المفكرين، و عانت كذلك من النفي لمدة أربع سنوات وكانت هذه ضريبة نضالها المرير من أجل الدفاع عن تحرر المرأة .

من أهم كتبها التي تنوعت بين الفكر و الرواية و المسرح: "الأنثى هي الأصل" ،"الوجه العاري للمرأة العربية "، "المرأة ، الدين و الأخلاق" ، "معركة جديدة في قضية المرأة " ، "الأغنية الدائرية"، "جنات و إبليس"، "المرأة والصراع النفسي" ، "موت الرجل الوحيد على الأرض"، "توأم السلطة والجنس" و ذلك في قائمة تضم 56 كتابا.

ومن أهم الأفكار التي اعتنقتها ودافعت عنها بكل ضراوة، أن اضطهاد المرأة لا يرجع إلى شرق أو غرب و لا للإسلام أو الأديان الأخرى ولكنه يرجع بالأساس إلى النظم الأبوية في المجتمع البشري ككل، تؤمن الدكتورة نوال أن عقل المرأة ليس أقل من عقل الرجل في شيء، كما يعتقد الكثيرون، وتستشهد في ذلك بالتاريخ الذي يدلنا على أن المرأة سبقت الرجل في التفكير بعقلها وهي التي بدأت المعرفة في تاريخ البشرية فقد كانت الإلهة الأولى للمعرفة امرأة هي إزيس وقبلها حواء، واستشهادها هنا بأسطورة إزيس المصرية يعتبر استشهادا تاريخيا لأنه و كما يقول الباحث الميثولوجي فراس السواح "الأسطورة دائما تحمل في طياتها جزءا من التاريخ يكفي فقط أن نملك مفتاحا لفك رموزها واستخراج ما في جعبتها من معالم تاريخية". أما استنادها إلى حواء وأسبقيتها للمعرفة فيرجع للتوراة الكتاب المقدس لليهود من فقرة في سفر التكوين تقول (كانت الحية أحيل الحيوانات البرية التي عملها الرب الإله، فقالت للمرأة : أحقا قال الله لا تأكلا من كل شجر الجنة؟ فقالت للحية: من ثمر شجر الجنة نأكل، و أما ثمر الشجرة التي وسط الجنة، فقال الله : لا تأكلا منها ولا تمساها لألا تموتا. فقالت الحية: لن تموتا بل الله عالم أنه يوم تأكلان منها تنفتح أعينكما وتكونان كالله عارفين الخير و الشر). وبعد أن اقتنعت المرأة أكلت من الشجرة وأعطت زوجها فأكل معها، فانفتحت أعينهما وعرفا أنهما عاريان، لذلك خشي الإله أن تزيد معرفة حواء وأدم وتمتد يديهما إلى شجرة الحياة فيعيشان للأبد، لذلك طردهما من الجنة. (قال الرب: هو ذا الإنسان قد صار كواحد منا عارفا الخير والشر، و الأن لعله يمد يده ويأخذ من شجرة الحياة أيضا ويأكل فيحيا للأبد. فطرد الإنسان وأقام شرقي جنة عدن الكيروبيم ولهيب سيف تنقلب لحراسة طريق شجرة الحياة).

و تعتقد الدكتورة أن المرأة التي تخفي وجهها تحت طبقة من مساحيق التجميل مستلبة فكريا كالتي تغطي شعرها بقماش، فلا فرق بين هذه و ذاك، كلها أحجبة تستعمل لنفس الغرض، لفرض قيود على جسد المرأة وإدانته بتهمة النقص وجعلها تؤمن إيمانا قاطعا لدرجة الإعتراف بما ينسب إليها.

و تؤكد السعداوي في معظم كتاباتها أنه ليس هناك أي دليل علمي في البيولوجيا أو الفيزيولوجيا أو التشريح يثبت أن المرأة أقل من الرجل عقلا أو جسدا أو نفسا، إن الوضع الأدنى للمرأة فرض عليها من المجتمع لأسباب اقتصادية واجتماعية لصالح الرجل، ومن أجل بقاء واستمرار الأسرة الأبوية التي يملك فيها الأب الزوجة والأطفال كما يملك قطعة أرض.

مادام هناك اشتراك في عملية الإنجاب فيجب حتما الإشتراك في النسب، هذه الفكرة التي يرفضها النظام الأبوي تتشبث بها الدكتورة نوال و تدافع عنها بكل ضراوة . و تعتقد أيضا أن قضية تحرير المرأة هي قضية سياسية بالدرجة الأولى لأنها لاتمس حياة نصف المجتمع فحسب بل تمس حياة المجتمع برمته، فتخلف المرأة وتكبيلها لا يؤخر النساء فحسب بل ينعكس على الرجال و الأطفال وبالتالي يقود إلى تخلف المجتمع كله.

إن النساء وحدهن لا يمكن أن ينلن الحرية و المساواة في مجتمع لا يحقق الحرية والمساواة لجميع فئاته المختلفة، ولهذا لا يمكن فصل قضية تحرير النساء في أي مجتمع عن تحرير الفئات الأخرى المظلومة.

أشارت الدكتورة في كتابها "الأنثى هي الأصل" إلى حقيقة علمية هامة، وهي أن البحوث الجديدة في علم الأجنة أثبتت خطأ الفكرة التي مغزاها أن الجنين يكون في أول تكوينه مزدوج الجنس، وقد اكتشف أن الجنين عند كل الحيوانات الثديية يكون في أول مراحله أنثى وكذلك في حالة الإنسان فإن الجنين ينشأ في الأصل أنثى ويستمر حتى الأسبوع السادس حين يبدأ الهرمون الجنيني الذكري فعله. وحتى الشهر الثالث من حياة الجنين أعضاء الأنثى تكون وحدها في الجنين منذ البداية دون حاجة إلى فعل الهورمونات المؤنثة، وقد وجد أنه لو استؤصل المبيضان من الجنين الأنثى قبل الأسبوع السادس من عمرها فإن هذا الجنين يظل أنثى وينمو أنثى مكتملة الصفات بل إنها تمر كفتاة بجميع مراحل النمو الطبيعي، بما في ذلك المراهقة أيضا، إذا ما حقنت بالهورمونات التي تعوضها غياب المبيضين، أما في حالة الجنين الذكر فقد وجد أنه إذا استؤصل منه الخصيتان فإنه يصبح كذلك جنينا أنثى وينمو و يتطور كأنثى ويمر بجميع مراحل النمو الطبيعي في فترة المراهقة التي تمر بها أي فتاة، إذا ما أعطي الهورمونات اللازمة.

وهذه البحوث غربية الأصل لم يتداولها الإعلام الرسمي ببلداننا العربية و طبعا لن نجدها إلا بين ثنايا كتب لمفكرين و لمفكرات تملؤهم و تملؤهن الجرأة لرفع الستار عن الحقائق دون خوف من العواقب .

من المفاهيم التي تفسر تفسيرا خاطئا، و التي حاولت الدكتورة نوال جاهدة ترسيخه بمعناه الصحيح في الأذهان، هو مفهوم الشرف، الذي تجزم أنه لا وجود ارتباط بينه وبين جسد الإنسان سواء أكان امرأة أو رجلا، فهذا المصطلح يعني الصدق، صدق التفكير، وصدق الإحساس، و كذلك صدق الأفعال، فالإنسان الشريف لا يعيش حياة مزدوجة واحدة في العلن والأخرى في الخفاء، الإنسان الذي يعاني من التناقض مابين القول والفعل، ويخوض صراعا دائما بين الجسد والروح، لا يمكننا أن نصفه بالشرف، وهذا هو التفسير الصائب لمفهوم الشرف، لذلك فمن غير الجائز ربطه بمجرد غشاء قد أثبتت النظريات العلمية أن أكثر من ثلاثين بالمائة من النساء يولدن بدونه .

فكثير من المفاهيم المفسرة بشكل مغلوط جاءت لتكريس الفكر السائد و لمزيد من التشويه في العلاقة بين الجنسين وسيادة جنس على جنس أخر، الشيء الذي تعزوه الدكتورة للتشويه الإنساني الذي طرأ على الحضارة القديمة بسبب الأطماع الاقتصادية التي أصبحت تتزايد مع تزايد وسائل استغلال الإنسان للإنسان. فنحن لا نستطيع إنكار تاريخ الحضارة المصرية التي قامت منذ البداية على المساواة، وخير دليل على ذلك هو تاريخ الأسر الحاكمة المليء بأسماء الملكات الإناث مثل "حتشبسوت وتي، نيفرتتي، حوتب، واماح، وخنت، حرس، كاوس، كليوباترا" ، وفي هذه الفترات من حكم الأسر الفرعونية يمكننا لمس بعض بقايا المجتمع الأمومي حتى بعد حلول المجتمع الأبوي، ففي تاريخها الطويل الذي استمر زهاء الأربعة ألاف سنة كان كرسي الحكم فيها ينتقل عبر سلسلة النسب الأمومي، وكل أميرة هي وريثة طبيعية للعرش، لذا كان على الفرعون الجديد أن يتزوج من وارثة العرش لتثبيت حقه فيه، و الشيء نفسه في ما يتعلق بوراثة الممتلكات المادية لدى جميع طبقات الشعب، فكانت هذه الممتلكات تنتقل إلى البنات لا الأبناء، وهذا ما رسخ زواج الإخوة من أجل الحفاظ على العرش ضمن الأسرة المالكة و الحفاظ على ممتلكات العائلة الواحدة من الخروج إلى أيدي الغرباء .

و في العلاقة بجذور الحضارة المصرية كتبت الدكتورة نوال مسرحية بطلتها إزيس الإلهة المصرية القديمة إلهة الحكمة و الفلسفة، هذه المسرحية التي قوبلت بمنع عرضها على خشبة المسرح في عام 1986 ، وبعد ذلك بعشر سنوات تم نشرها ، بعد حذف جزء هام منها . و قامت فرقة هاوية بعرضها على الركح لمرة واحدة بعد مرور عشر سنوات أخرى من النشر قبل إسدال الستار عليها حتى إشعار آخر، و هذا طبعا هو الدور الكبير الذي تلعبه الرقابة على كل فكر يرمي إلى التحرر و إماطة اللثام على الحقائق المزعجة للفكر السائد.

وفي حوار لها مع أحد الرقباء قال أن الألوهية و الأنوثة لا يجتمعان في كيان واحد أجابته أن هناك مسرحيات أخرى عرضت تحت إسم إزيس رد بأن هذه الإزيس المسموح بها هي الزوجة المطيعة الوفية لزوجها أوزيريس وليست إزيس التي جاءت في مسرحيتك كصاحبة الحكمة و الفلسفة .

ورغم كل الحملات الهجومية و المسيئة التي شنت عليها لا من قبل النظام الأبوي الحاكم و لا من قبل المؤسسات الدينية التابعة و الموالية لسياسة هذا النظام، إلا أنها أصرت ومازال يملؤها الإصرار أن تنسج كلماتها بخيوط الحرية، وتواري تمردا خلف السطور، يقتحم المتصفح في كتاباتها كزائر بلا موعد، فالكتابة في تصورها فعل ثوري لا يعبر بقدر ما يرتمي في أحضان المحظور و يخلق المحال، و الكلمة نغمة "نشاز" عن أغنية الواقع القانعة بالرتابة، فنوال تحرضنا على إعادة النظر في كل الثوابت، و تحرك فينا بحيرات التساؤل الراكدة ، فكرها كائن حي صعب المراس لا يمنح أسراره الثرية إلا بعناق دائم و متجدد . إنها تخوض معركة العقل ضد التيارات اللاعقلية، وكما تصفها إبنتها منى هي كاتبة تعيش ما تكتبه و تكتب ما تعيشه.

 


in
Sign in to leave a comment